منحوتة ديلايجة

    ملف الموقع

    إن هذه المنحوتة المثيرة للفضول توجد بالقرب من قرية ديلايجة الحديثة، حوالي 25 كم شرق- جنوب شرق السليمانية/ سليماني في كردستان العراق. تقع القرية في منحدرات القرة داغ، أحدى امتدادات جبال زاگروس الغربية. إن الجداول المُنسابة من ديلايجة وقرية سولا، إلى شمالها، تلتقي على بعد 3.5 كم إلى الغرب في جدولٍ بَسارا الأكبر منها. مباشرةً بعد نقطة التقاء الجداول تلك، يعبر النهر من خلال التل العالي وينساب خلال المضيق الذي يُعرَف باسم دَربَندي بَسارا. إن الصورة التي نُقِشَت على الوجه الشمالي هي لهذا الممر (أنظر إلى البانوراما).

    نظراً لاهترائها الشديد، وحجمها الصغير، وموقعها البعيد نسبياً، لم يذع صيت المنحوتة إلا قليلاً خارج العراق، بل أنها لم تكن معروفة جداً حتى خارج مجتمع الآثاريين في منطقة السليمانية. إن الوضع الحالي للعمل يقدِّم تفسيراً لجوهر موضوعه وتحدي تسلسله الزمني، لكن يمكن إرجاع تاريخه بنوع من التأكُّد إلى القرون قرابة بدأ الألفية الثانية قبل الميلاد.

    تكوين صخري مع منحوتة ديلايجة

    الجزء الداخلي لممر دربندي باسارة

    مناظر طبيعية محيطة بدربندي باسارة

    إن منحوتة ديلايجة نُقِشَت على الوجه الشمالي من مضيق دَربَندي بَسارا. هذا الوجه مغطىً بكثافة بطبقات سميكة منفصلة من سطوح الترسبات المائلة؛ تقع المنحوتة على سطح كبير بشكل خاص يقع فوق مستوى العين. إن المجال المستطيل للمنحوتة هو صغير نسبياً (أنظر إلى إعادة التكوين الفوتوغرامتري). حافاته منحنية بعناية، وإلا فإنّها تفتقر إلى الحدود. إن التصميم الشكلي متهرئ للغاية كما إنّه تعرَّض لتلفٍ أكبر بسبب التشقُّق الكبير الذي يمتد مائلاً عبر التكوين. إنّ الثَغرة الموجودة قُرب مركز التصميم تبدو كأنها نتيجة المَساميّة الطبيعية للصخور (يمكن رؤية عِدّة ثغور مُشابهة بالقرب منها). كما يستوجب التنويه عن أنَّ المنحوتة كانت قد غُطِيَت بكتابات على الجدران في الوقت الذي قام فريق مشروع توثيق آثار وتراث بلاد وادي الرافدين MMM بتوثيقها في ربيع 2017.

    إن العنصر المركزي في التصميم هو بالتأكيد شخصٌ منحوتٌ واقفٌ يحتلُّ تقريباً معظم الارتفاع الكلي لفضاء التكوين. إنّ رأس الشخص المنحوت كان قد تَهَشّم بالكامل تقريباً، لكن شكل التكسُّرات يوحي برداء رأس مُدبَّب لآلهة. إنّ أقدام الشخص المنحوت، تواجه اليَسار، فضلاً عن إن أسفلَ ردائه عند الكاحل، يمكن ملاحظته بوضوح. إن الجزء الأعلى من الذراع ما بين الكتف والمرفق للشخص المنحوت يمتد أفقياً تقريباً خلف الظهر، مُنحنياً 90 درجة عند المرفق كأنما تم مسك الساعِد عمودياً إلى الأسفل. إنّ المساحة خلف الإله تم إشغالها بما يبدو كأنه شخصٌ منحوتٌ إضافي تم إظهارَهُ بمقياسٍ أصغر. يُمكن مُشاهدة الرأس قرب نقطة التقاء شقَّين كبيرَين. من المحتمل أن يكون هذا الشخص المنحوت راكِعاً وذراعاه ربما كانتا ممدودتان أمامه. هنالك خط رفيع، على الأرجح يمثِّل حبلاً، يمتد بين يد الإله ورأس الشخص المنحوت، لذا لا بُدّ أنّه أسير.

    في نمط النقش هذا، يمكن مقارنة التكوين مع عدد من المنحوتات الصخرية في الإقليم التي تقوم فيها الآلهة بالإمساك بالسجناء بحبل.1 إنها عادةً الإلهة إنانا/عشتار، والتي من الممكن أيضاً أن تكون هي الحالة في ديلايجة (رغم إنّ وضع المنحوتة إستبعدَ التحديد الحاسم لهوية الشخص المنحوت).

    إن الحالة الأقرب شبهاً لحالة منحوتة ديلايجة من المحتمل إيجادها في منحوتة أنّوبانيني في ساري_بول زهاب، إذ تمد الإلهة ذراعها بطريقة مشابهة، مع حبلٍ يمتد إلى الخلف نحو أسيرين إثنين صغيرَين إلى الخلف. في هذه المنحوتة وعِدَّة منحوتات أخرى، يكون الحاكم واقفاً أمام الآلهة (سواء كان إلهاً ذكراً أم إلهة أنثى) وقدَمُهُ على ضحية أخرى ساجدة. لكن، يبدو أن هذه ليست الحالة التي في منحوتة ديلايجة. إن المساحة أمام الآلهة هي الجزء الأقل وضوحاً في الصورة. بالرغم من التلف الشديد فإن الخطوط الكنتورية هنا توحي بشكلٍ بشري- ربما حاكم- ليس هناك نظير رمزي واضح لمَوضَعة ثنائي الحاكم-الآلهة بهكذا مقربة وعن كثب، حتى بالنسبة لنقطة التداخل. باتجاه الحَد اليسار للمنحوتة، هنالك قليل من التوعُّرات الطفيفة في سطح الصخرة، لكنه (أي سطح الصخرة) ناعم إلى حد كبير، وليس من الواضح إن كان هنالك أي شيءٍ قد نُحِت. إن من المتوقع أن تقوم دراسة مستقبلية بالكشف عن المزيد حول هذه الصورة المُحَيِّرة.

    • 1. لقد تمَّ إيضاح ومناقشة هذه المنحوتات كمجموعة في ' J. Nicholas Postgate and Michael D. Roaf, “The Shaikhan Relief,” الرافدَين18 (1997): 143–156. أنظر أيضاً الخَتم الإسطواني لشو-إيليا في أشنونا (في عهد سلالة أور الثالثة)، التي يكون فيها الإله الذكر يقف على أسير مربوط بحبل بواسطة حلقة أنف (أنظر إلى الشكل الايضاحي والمناقشة في Burchard Brentjes, “Zum Vorbild des Annubanini-Reliefs,” Das Altertum 12 (1966): 131–135).

    إستناداً إلى طبيعة رموزها وطرازها، فإن منحوتة ديلايجة يمكن أن تحديد تأريخها تقريباً في أواخر الألف الثالث أو مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. هنالك عددٌ من المنحوتات الصخرية في ذلك العَصر، وُجِدَت في المنطقة المجاورة، تدور حول موضوع الحاكم المنتصر (مثل دَربَندي گَور ودَربَندي بَلولا، من بين حالات أخرى)؛ عِدّة منحوتات أخرى تتضمّن الحاكم وعلاقته بالآلهة، كما في  حالة ديلايجة ربّما. ليُرَجِّح ذلك فرضية أنّها قد تم التكليف بنحتها من قِبَل الحاكم، إن نافذتها الزمنية الواسعة (أي أنه لا يمكن تحديد تأريخ دقيق لها ضمن فترة زمنية محددة بمدى زمني قصير) وعدم توفُّر نَص يمنع إرجاع عائِدِيّتها إلى أي شخصية معينة. من الممكن أن تكون قد تم التكليف بها من قِبَل سُلالةٍ من قَلبِ أراضي وادي الرافدين، ربّما خلال حَملةٍ عسكرية في تلك المنطقة؛ إن من الأرجح، مع ذلك، وكما هو الحال مع منحوتة أنّوبانيني، أنّها نُحِتَت من قِبَل ملك لولوبي أو حاكم محلي آخر. إن من المتوقع أن تقوم دراسة مستقبلية بالكشف عن المزيد حول هذه الصورة المُحَيِّرة.

    المحتوى
    ماثيو بيبلز (2020)