ميرقولي

    ملف الموقع

    يقع الموقع الأثري لميرقولي الى الغرب من قرية زيوي الحديثة، على بعد 40 كم الى الشمال الغربي من السليمانية. وتتمثل أبرز معالمه بمنحوتة محفورة في الصخر فضلاً عن الأُسُس لمبنى كبير، من المحتمل ان يكون حِصناً، يقع على قمة جبل پیرامگرون العالية. تقع ميرقولي على بعد اقل من 2 كم إلى جنوب شرق موقع رَبّانة، بمنحوتتها المشابهة، على المنحدر المجاور لنفس الجبل (رغم إن منحوتة ميرقولي هي في موضع أعلى بكثير عند قمة الجبل، بينما منحوتة رَبَّانه تقع على ارتفاع أوطأ بكثير ضمن الوادي). من المحتمل ان يعود تاريخ المجمع في ميرقولي الى الحِقبة الفرثية اللاحقة؛ في ذلك الوقت، لقد كان قرب الحدود بين ولاية ميديا الفارسية ومملكة حدياب التابعة.

    فضلاً عن منحوتته المحفورة في الصخر، فإن الموقع الأثري في ميرقولي يضم جدراناً مُحصَّنة، ومدرّجات، وأُسُس مبنى، يغطي مساحة تقارب 20 هكتار على إحدى القِمَم الأكثر عُلُوّاً لجبل پیرامگرون.1 يُهَيمن على القمة بروز تقع عليه أُسُس هيكل كبير _ الوحيد الذي تم التنقيب عنه آثارياً كما في عام 2020 _ ويُطلَق عليه 'القلعة' من قِبَل فريق التنقيب (قادته مديرية آثار السليمانية).2

    إن المسار الحديث للقلعة يتضمن التسلُّق إلى أعلى المنحدر الجنوبي للقمة فوق قرية زَيوي؛ إن التسلُّق يتطلَّب ساعتَين اثنَتَين للوصول إلى بداية منطقة المستوطنة قرب القمة. هنالك عِدّة مبانٍ مبنية بالحجر على امتداد هذا المسار، بضمنها العديد من المدرّجات وجدار منخفض، ومقوَّس بمحاذاة البروز فوق المنحدر، ربما يعود تأريخها إلى ما بعد العصر القديم. مما يتطلب انتباهاً خاصاً هو وجود مجموعة من الأحواض بُنِيَت على مِنَصّة أو هضبة صغيرة (وقد تم صب الخرسانة عليهم لأغراض الحفاظ). بالقرب منها هناك كهف صغير مُعرَّف جزئياً بجدران مبنية من الحجر، ربما استُعمِلَت من قِبَل رعاة الأغنام.

    تقع المنحوتة الصخرية على جدار المنحدر مباشرةً بعد المِنَصّة إلى الشمال الغربي (أنظر الى البانوراما). حُفِرَت في حَنية مستطيلة غير عميقة وأبعادها تقريباً  97سم عرضاً و2.3سم ارتفاعاً، إنها أكبر بقليل من منحوتة رَبَّانه المشابهة لها. على الرغم من إن الملامح قد بَلَت وتقادَمَت في أماكن منها، وأن هناك قليلٌ من التشقُّقات الرقيقة عبر مساحة التشكيل، فإن المنحوتة في حالة جيدة نوعاً ما. يجب ملاحظة أنه أثناء توثيق فريق مشروع توثيق اثار وتراث بلاد وادي الرافدين (MMM)، كان جانب واحد من المنحوتة رطِباً، وهذا يفسر الاختلاف في لون الحجر. بالنسبة للتساؤل حول ما إذا كان السطح قد تم طلاؤه في الأصل، فإن هذا التساؤل يجب أن يبقى مفتوحا. هناك دليل على تلوين بعض النُصُب الخارجية المنحوتة في الصخر في الشرق الأدنى القديم، لكن لم يتم تأكيد المدى الكامل لهذه الممارسة؛3 هنا في ميرقولي، ليس هناك آثار ظاهرة لصبغةٍ ما.

    يُشير طراز المنحوتة ورمزيتها بوضوح إلى أن تاريخها يعود إلى الحِقبة الفرثية. إن موضوع المنحوتة، شخصية رجل ملتحي يقف إلى اليمين، هو بشكلٍ شبه مؤكّد حاكم. إنه يظهر بمنظور مًركَّب: تم إظهار وجهه بزاوية مائلة قليلاً، وجذعه أقرب ما يكون إلى المنظر ذو الثلاثة أرباع، وساقَيه في وضعٍ جانبي. ذراعه اليمنى مرفوعة من المِرفَق، ويبدو وكأنَّه يقوم بإيماءة بيده المفتوحة.4 إن زِي الشخص المنحوت هو الزي النموذجي للحكام الفرثيين من القرن الأول الميلادي.5 إنه يرتدي عباءة و تونيك (التونيك هو رداء يشبه رداء كهنة المعابد) يصل إلى تحت ركبَتَيه. إن العباءة معقودة بمِشبَك مُعقَّد على الصدر. إن حزام التونيك معقودٌ أيضاً، نهاياته الحرة تتدلى بحرية إلى الأسفل. من المحتمل أن يكون الشخص المنحوت يرتدي بنطالاً أو سروالاً ضيقاً تحت التونيك، بينما الخط الباهت على الكاحِلَين ربما يرسم حدود الأحذية. في الأعلى، فإن الشخص المنحوت مُزَيَّن بطَوقِ رقبة مبروم وتاج مُدبَّب (كُلاه) بأغطية أذن معقوفة إلى الأعلى؛ إن قاعدة القلنسوة ملفوفة بعصابة رأس معقودة، نهاياتها المثيرة للانتباه تنسدل خلف الأكتاف. إن الخَطَّين الاثنَين الأُفُقيَّين خلف الأذن غير عاديَّين، لكن لا بُدَّ أنهما يُمثِّلان استمراريةً لغطاء الرأس. بناءاً على القرائن النقدية، من المتوقع أن يكون هناك قلبة خلفية أو مجموعة من الخصلات الملتفة في الفضاء المفتوح خلف العُنُق؛ إن كانت المنحوتة قد تم تلوينها سابقاً، فلربما مثل هذا المَعلَم كان قد تم إظهارَه بهذه الطريقة. إن الإظهار الشامل للشخص المنحوت هو خطي نوعاً ما، مع ملامح مُعَرَّفة بوضوح وبمستويات أساسية واسعة، وغير متقاطعة. مع ذلك، هنالك مناطق ذات تفاصيل أدق ونمذجة مُدوَّرة، بضمنها على امتداد الأذن ومحجر العين، وكذلك في خصلات اللحية المُسّرَّحة (أنظر إلى اللقطة المُقَرَّبة لوجه الشخص المنحوت).

    إن المنحوتة تتماشى بوضوح مع صور الملوك الفرثيين؛ وبتحديدٍ أكثر، فإنَ الجدل قد دار حول تلك التركيبة التي جمعت عصابة الرأس والتاج وهي ذات التركيبة التي تميٍّز الشخص المنحوت على أنَّه ملك ارساسيدي (عِوَضاً عن كونه حاكماً تابعاً)، رغم إنَّه ليس مؤكَّداً أي واحد منهم (للمزيد من التفاصيل راجع 'التاريخ').6 إجمالياً، فإن منحوتة ميرقولي شبيهة جداً بالمنحوتة في رَبَّانة، رغم إنه يجب ملاحظة وجود بعض الاختلافات الرمزية والطرازية بين الاثنين (أنظر إلى المزيد في موضوع ربّانة). نظراً للتشابه العام، يبدو أنهما يُصوِّران نفس الحاكم.7 على كل حال، فإن هنالك تفسيرات محتملة فيما يخص لماذا من الممكن أن يكون هنالك أرباب عمل مختلفين مسؤولين عن تمويل هاتَين الصورَتَين الاثنتَين _ على سبيل المثال، إن العضو اللاحق من السلالة ربما يسعى لتأكيد الصِلة بسَلَفه.

    تقع قلعة ميرقولي على ارتفاع حوالي 200م أعلى الجبل إلى الشمال الشرقي من المنحوتة؛ إن التسلُّق من موضع المنحوتة الى القمة حيث القلعة يستغرق 20 دقيقة أخرى. إن بقايا الجدران الحصينة موجودة حول هذه المنطقة؛ إن المواضع النسبية لهذه المعالم ربما توحي بأن المنحوتة تُؤشِّر مدخلاً إلى المجمّع.8 تُطل القلعة على كُلٍّ من الوادي الفسيح إلى الغرب من جبل پيرَمگرون فضلاً عن وادي داخلي صغير إلى الشرق (أنظر إلى البانوراما). يتضمّن الهيكل فناءاً وسطياً وعِدَّة غرف تقع على مستويات مختلفة على امتداد التضاريس المنحدرة؛9 لقد وُضِعَت الخرسانة فوق الأُسُس من قِبَل المُنَقِّبين. يمكن رؤية أُسُس مجمّع معماري آخر على المنحدر إلى شمال القلعة.

    • 1. مخططات طوبوغرافية مفيدة موجودة في Brown et al. 2018، الشكل 2 و8.
    • 2. Saber et al. 2014.
    • 3. من المعتقد بشكل عام إن المنحوتات الصخرية الآشورية الجديدة، كما في تلك الموجودة في خنس، كانت في الأصل مطلية (رغم أن ذلك لم يتم إثباته علمياً كما تم إثباته في حالة المنحوتات داخل القصر). إن آثار الصِبغة ما زالت ظاهرة على قبور العصر الأخميني في قيزقَپان ونَقشي روستَم. بينما لا يوجد هناك لون بقي على المنحوتات الساسانية من الموقع الأخير، فإن هنالك ألواح معينة في بيشاپور تظهر دليلاً على وضع طبقة من البياض الخارجي، والتي يُحتَمَل أن تكون قد صُبِغَت.
    • 4. إيماءة مشابهة تم عملها من قِبَل موضوع المنحوتة في باتاس حرير، رغم إن كف اليد هنا جزئياً مغلقة .
    • 5. فيما يخص رداء ملوك الفرثيين بشكل عام، أنظر إلى Vesta S. Curtis, “The Parthian Costume and Headdress,” in Das Partherreich und seine Zeugnisse, ed. J. Wiesehöfer (Stuttgart: Steiner, 1998), 61–73.
    • 6. Brown et al. 2018, 69.
    • 7. قارن مع Amedie and Zamua 2011, 236 ؛ Brown et al. 2018, 68.
    • 8. أنظر إلى Brown et al. 2018, 66 and fig. 8.
    • 9. أنظر إلى المخطط في Saber et al., fig. 3.

     كما هو الحال مع منحوتة رَبَّانه، هنالك دليل ضئيل جداً عن تاريخ ميرقولي. ولكونها تقع ضمن سلسلة أقصى الغرب لجبال زاگروس، في مكان مرتفع جداً، فلا بُدَّ أنَّها مرتبطة بحماية الحدود _ مما يسمح بالرؤية من مسافة كبيرة جداً. خلال العصر الفرثي، كانت هذه المنطقة تمثل الحدود بين الولايات الغربية للإمبراطورية ومملكة حدياب التابعة. لذا، فإن الباحثين قد حددوا هوية الشخص المنحوت في المنحوتة على أنَّه حاكم من هذه أو تلك من هاتين المنطقتَين: البعض اقترح كونَه ملكاً حديابياً، بينما آخرون رجَّحوا أن يكون حاكماً ارساسيدياً _ ربما كان ڤونونس (حكم عام 51 م) أو ڤولوگاسيس الثالث (حكم ما بين 108/9 - 147/8م)، بناءاً على القرائن النقدية بالنسبة لرداء الرأس1. أيّاً كان هذا الحاكم، فإن وضع صورته على امتداد المسار إلى القلعة لا بُدَّ انه كان ستراتيجياً، فقد وَسَمَ الموقع بأكملِه بتصوير دائم لقوته بما أن الشخص يُصادِف منحوتة الملك مباشرةً قبل صعوده إلى الأعلى نحو القلعة، فإنّ من المحتمل أن ترتبط المنحوتة بالمدخل إلى الموقع. نظراً للتشابه بين منحوتَتَي ميرقولي ورَبَّانه، فلربّما كان الحاكم نفسه (أو أعضاء لاحقين من السُلالة) قد سعى لإدِّعاء حيازته لمجموعة من الحُصون وتأكيد ارتباطها من خلال هذا الزوج من المنحوتات. على أي حال، فإن التكرار المتقارب للصور ضمن مسافات متقاربة نوعاً ما يكون بالتأكيد ذو مغزى في سياق الشرق الأدنى القديم؛ سيُفهَم ذلك على أنّه مدهش ومؤثِّر، مع التكرار مُمَدِّداً حضور الحاكم عبر عٍدَّة سياقات فضائية2. إن التنقيبات الحاصلة حول هيكل قلعة ميرقولي كَشَفَت فقط عن فترة محدودة من الاستيطان، بطَور بناء واحد أساسي وبعض التعديلات الطفيفة لاحقاً. إن تحديد تاريخ إنشاء القلعة، بناءاً على أنواع الفخار المكتشفة ضمن التنقيب، صعب. أحد التأويلات يضع الطَور الأول من القلعة ضمن العصر الساساني _ على خلاف التأريخ الفرثي الواضح للمنحوتة الصخرية؛ آخرون قاموا بتحديد تأريخ الفخار إلى قُرابة القرون الأول إلى الثالث الميلادي، بما يفسح المجال لأن يكون بناءً من العصر الفرثي ينسجم بذلك مع المنحوتة.3 من المحتمل أن تَكشِفَ التنقيبات المستقبلية عن تسلسلٍ زمنيٍّ أدق للموقع. يبدو أن ميرقولي كانت قد هُجِرَت في أواخر العصر القديم. ولم يتم إشغالُها مُجدّداً، رغم أن هذه المنطقة كانت في فترة ما قد استُعمِلَت كمعسكر من قِبَل الجيش العراقي الحديث، مما بَعثَرَ جزءاً من البقايا الأثرية. فيما عدا القلعة، لم يتم التنقيب في الموقع. 1. زاموا وئاميدي 2011, 236 (ملك حدياب)؛ Brown et al. 2018, 68–69, 71–74 (حاكم أرساسيد). 2. الكفاءة ودلالة الإعادة في النحت في الشرق الأدنى القديم، أنظر إلى Zainab Bahrani, The Infinite Image (London: Reaktion Books, 2014), 115–144. 3. (2014, 236–241) .Saber et al حدد تاريخ جميع الفخاريات التي تم التنقيب عنها بالفترة الساسانية وعلَّق بأنها 'يمكن أن توحي (تقترح suggest) بـ'أن الموقع كان قد أٌنشِئَ بعد أن تم عمل المنحوتة' (لاحظ المؤلفون، مع ذلك، بأن التنقيبات المستقبلية قد تكشف عن مرحلة فرثية للهيكل Brown et al. (2018, 71).( ، مفترضاً تاريخاً فرثياً، يُركِّز على السيراميك الأخضر المزجَّج للموقع، 'الأمثلة التشخيصية (أي التي تساعد على تشخيص او تحديد) التي من ضمن ما يمكن تحديد تاريخه ما بين القرنَين الأول والثالث الميلادي اعتماداً على القرائن (أي ما يشابه هذه الحالة من حالات اخرى) الواديرافدينية والايرانية.'

    رحيم، كمال رشيد. 2001. "مشروع استنساخ منحوتَتَي جبل بيرمكرون المقدس في موقعي (ميرقولي) و(ربنه)." هەزار مێرد، ژمارە 18: 153-163.

    زاموا، دلشاد عزيز، و ئاميدي، ايهان محمد. 2011. "مَنحوتَتَي ميرقولي وربەنە في جبل پیرەمەگرون: دراسة تحليلية- مقارنة." سوبارتو 4-5: 230-239.

    Brown, Michael, Peter Miglus, Kamal Rasheed, and Mustafa Ahmad. 2018. “Portraits of a Parthian King: Rock Reliefs and the Mountain Fortresses of Rabana-Merquly in Iraqi Kurdistan.” Iraq 80: 63–77. Saber, Ahmed S., Zuhair Rejeb, and Mark Altaweel. 2014. “Report on the Excavations at Merquly: The 2009 Season.” Iraq 76: 231–244.

    المحتوى
    ماثيو بيبلز (2019)