ربانة

    ملف الموقع

    إن الموقع الأثَري لرَبَّانة (وهو اسم مشتقٌ على الأرجح من الكلمة السريانية ربانا (ܪܒ݃ܢ݃ܐ) بمعنى كاهن) يقع حول اخدودٍ منحوت في الوادي مُقتَطَع من المنحدر الغربي لجبل پيرامگرون. إنّ الوادي الأقرب له، قاراچاتان، يبعد حوالي 1كم إلى الغرب، ويقع الموقع على بعد حوالي 40 كم شمال غرب مدينة السليمانية. وكما هو الحال مع ميرقولي، التي تبعد 1.5كم إلى الجنوب الشرقي على امتداد نفس الجانب من جبل پيرامگرون، تتميز رَبَّانة بمنحوتة صخرية مرتبطة بمجموعة من المعالم المعمارية المتنوعة، بضمنها الجدران الدفاعية. لكن الموقِعَين الإثنَين مختلِفَين جداً في موضعهما _ فبينما تقع ميرقولي على قمة عالية، فإنّ موقع رَبَّانة أوطأ بكثير ضمن الوادي. في الحِقبة الفرثية، وهي الزمن الذي يرجَّح أن تكون المنحوتَتان قد تم نقشهما فيه، كان كِلا هذين الموقعَين قرب الحدود بين الولايات الشمال غربية للإمبراطورية ومملكة حدياب التابعة.

    جدار صخري عند مدخل اخدود ربانة

    مناظر عامة ضمن اخدود ربانة

    معالم ضمن اخدود ربانة

    نقش ربانة وما حوله

    مناظر طبيعية غرب جبال بيراماكرون / اخدود ربانة

    جبل بيراماكرون والمنطقة الغربية (عامة)، قرية قراتشاتان

    ينفتح وادي رَبَّانه مباشرةً على المنحدر الجنوب غربي لجبل پيرامگرون. بالقرب من مدخله هنالك بقايا جدار كبير، يفوق ارتفاعه المترَين، مبني من الصخور الكبيرة غير المهذبة. يبدو أنَّه كان يعمل كجزء من تحصين أكبر يحيط بالمستوطنة القديمة.إن المنطقة التي تم تصويرها من قِبَل فريق MMM قد تكون قد استُعمِلَت كأساس أو مِنَصَّة لمبنى مرتبط بهذا الجدار المحيط؛ أنظر Brown et al. 2018, 65 and fig. 5. إن داخل الوادي، الذي ينحدر باعتدال، تحدُّه منحدرات عالية، خشنة في كل جانب.

    إن المنحوتة الصخرية قد نُقِشَت في وجه المنحدر الأيمن مباشرةً بعد الجدار المحيط ، طريق قصير للوادي. لكونها تقع على ارتفاع عِدَّة امتار عن سطح الأرض، فقد بنى علماء الآثار مؤخرًا جداراً حجرياً سانداً في المنطقة تحتها؛ بما إنّ وجه المنحدر مائل أكثر من كونه عمودياً، فإن المنحوتة المستطيلة تبدو وكأنها قد انحرفت قليلاً من مستوى الأرضية. بأبعاد تقارب 97سم عرضاً × 2م ارتفاعاً، تكون منحوتة رَبَّانة بذلك أصغر قليلاً من الصورة المشابهة في ميرقولي؛ ومن الجدير بالذكر التأكيد على أنها أيضاً أوطأ ارتفاعاً بكثير في الوادي، إذا ما قورِنَت بالموضع الشاهق لميرقولي على قِمّةٍ مجاورة. إن المنحوتة في حالة مقبولة وما زالت واضحة، رغم أنها بالية ومتهالكة أكثر من تلك التي في ميرقولي. إن هناك بعض الشقوق عبر المنطقة العليا للتصميم، والسطح مُنَقَّر بشدّة، تحديداً في النصف الأسفل (كما في وجه المنحدر المحيط بها). من المحتمل أن تكون هذه المنحوتة قد تم تنعيمها ووضع البياض عليها وطلائها، رغم عدم وجود دليل واضح على ذلك.إن هنالك دليلٌ على تلوين بعض النُصُب الخارجية المنحوتة في الصخر في الشرق الأدنى القديم، لكن المدى الكامل لهذه الممارسة لم يتم التأكُّد منه بعد. عندما قام فريق مشروع توثيق اثار وتراث بلاد وادي الرافدين (MMM) بإنجاز توثيقه، كان هنالك قليل من الكانفاس ما زال عالقاً في الخلف،  وقد تُرِكت هناك كمُخَلَّفات لعملية صب النحت (تم إنجازها من قِبَل مديرية آثار السليمانية وحالياً يتم عرضها في متحف المدينة).

    إن طراز المنحوتة ورمزيتها تُشير إلى أن تاريخها يعود إلى العصر الفرثي الأخير ويمثِّل حاكم. إن الشخص المنحوت المُصَوَّر هو مشابه الى حد كبير لذلك الذي في منحوتة ميرقولي بشكلٍ شمولي، رغم إن بعض الاختلافات يمكن رصدها كذلك. إن الشخص الذكر المنحوت يقف مواجهاً اليمين _ باتجاه مدخل الوادي _ وساقاه متباعدان، رافعاً ذراعه اليمنى أمامه.هناك إيماءة مشابهة لهذه قام بها موضوع المنحوتة (الشخص المنحوت subject of the relief) في باتاس حرير، رغم إنه هنا تكون الكف مغلقة جزئياً. بينما يكون الساقَين في وضع جانبي نموذجي، فإن الجذع والوجه يظهران من منظورٍ (وجهة نظر) مائل. إن رداء الرأس للشخص المنحوت هو من نفس النمط الأساسي لذلك الذي يُشاهَد في منحوتة ميرقولي _ تاج عالي (كُلاه)  بأغطية أذن معقوفة إلى الأعلى، مربوطٌ بعصابة رأس عند القاعدة _ رغم إن شكله أكثر تدبيباً والقلبة ذات ملامح أوضح.بخصوص رداء الرأس والملابس للملوك الفرثيين عموماً، أنظر Vesta S. Curtis, “The Parthian Costume and Headdress,” in Das Partherreich und seine Zeugnisse, ed. J. Wiesehöfer (Stuttgart: Steiner, 1998), 61–73. خِلافاً لِما في صورة ميرقولي، حيث يوجد شريطان اثنان باهتان يظهران خلف الأذن، فإن المنطقة تحت وخلف القلنسوة تبدو فارغة هنا. إن سطح الصخر خشن الملمس في تلك المنطقة، ومن المحتمل التساؤل إن كانت مجموعة الخصلات المجعدة الفرثية قد تمت إضافتها كنثر جصي أو كطلاء. إن لحية الحاكم، الجدائل التي تم رسمها بعناية، وتتميز بمنحنى واضح على امتداد الفك (هذا التقوُّس لم يُلاحظ في لحية الشخص المنحوت في ميرقولي). إنه يرتدي طوق رقبة مبروم في عُنُقه وعباءة فوق تونيك (وهو رداء يشبه رداء كهنة المعابد) طويل. إن العباءة مشبوكة بعقدة ملتوية، والحزام حول التونيك بعقدة متقنة، إن النهايات المزدوجة لعصابة الرأس، وللمشبك، والحزام جميعها تتدلى بحرية. من المحتمل كذلك أن الشخص المنحوت يرتدي بنطالاً أو سروالاً، فضلاً عن الأحذية. إن طراز المنحوتة بشكل عام مشابه لميرقولي، بالمستويات الواسعة والخطوط الخارجية السميكة؛ لكن، النحات هنا أتخذ أسلوباً اكثر دقة بقليل وأكثر تقوُّساً لمناطق معينة _ على سبيل المثال، في شكل اللحية وبدقة أكثر أظهر العُقَد الموجودة في عصبة الرأس والملابس. إن مسألة إن كانت المنحوتَتَين قد صُنِعَتا من قِبَل نفس الفنانين أو إن كانوا مختلفين ما تزال مفتوحة للنقاش.

    إن المنحوتة تتماشى بوضوح مع ما يُصوِّر الملوك الفرثيين؛ والأكثر تحديداً، لقد حدث الجدل حول تركيبة عصابة الرأس والتاج التي تميٍّز الشخص المنحوت على أنَّه ملك أرساسيدي (عِوَضاً عن كونه حاكماً تابعاً)، رغم إنَّه ليس مؤكَّداً أي واحد منهم (أنظر إلى المزيد في "التاريخ").Brown et al. 2018, 69. نظراً للتشابه العام بين منحوتَتَي رَبَّانة وميرقولي، يبدو محتملاً أنهما يُصوِّران نفس الحاكم.قارن مع Amedie and Zamua 2011, 236 ؛ Brown et al. 2018, 68. على كل حال، فإن هنالك تفسيرات محتملة فيما يخص لماذا من الممكن أن يكون هنالك مُموِّلين مختلفين للعمل مسؤولين عن هاتَين الصورَتَين الاثنتَين _ على سبيل المثال، إن العضو اللاحق من السلالة ربما يسعى لتأكيد الصِلة بسَلَفه. إن المستوطنة الرئيسية في رَبَّانة تقع بعيداً ضمن الواديللمناقشة والصور لهذه المنطقة أنظر Brown et al. 2018, 65.. إن التنقيبات المحدودة في هذه المنطقة قد كشفت عن عِدَّة معالم مثيرة للاهتمام. فهناك محراب مستطيل يحتوي على ما يشبه العتبة (ربما كان مذبحاً) وهو محفور في الجرف عند النقطة التي يتدفق فيها مجرى مائي إلى الوادي من المنحدرات العليا للجبل. في الجوار، يوجد درج منحوت في الصخر والذي يظهر أنَّه قد ربط الوادي بمبنى مفقود على أرضٍ أكثر ارتفاعاً؛ مَعلَم مجاور يشبه الدرج المائل ربما كان قد صُمِّمَ كشلّال ماء صغير. لقد تمت الإشارة إلى احتمالية أن تكون المنطقة كلها قد استًعمِلَت كمجمَّع مقدَّس، رغم إن وظيفتها لم يتم تحديدها على نحو التأكيد. ما تبقى من آثار يمكن مشاهدتها في رَبَّانة توحي بأن هنالك تحصينات كانت قد أُنشِأت في نقاط استراتيجية حول الوادي. لكن، لم يتم إجراء تنقيب للموقع ولا تحليله بعد بشكل منهجي.

    كما هو الحال مع ميرقولي، هناك القليل جداً من الأدلة عن تاريخ رَبَّانة. ولكونها تقع في واحدة من السلاسل الغربية لجبال زاگروس، في وادٍ يسهُل الدفاع عنه، لا بُدَّ أنَّها كانت مرتبطة بأمن الحدود. خلال الحِقبة الفرثية، كانت هذه المنطقة تمثل الحدود بين الولايات الغربية للإمبراطورية ومملكة حدياب التابعة. لذا، فإن الباحثين قد حددوا هوية الشخص المنحوت في المنحوتة على أنَّه حاكم من هذه أو تلك من هاتين المنطقتَين: البعض اقترح كونَه ملكاً حديابياً، بينما آخرون رجَّحوا أن يكون حاكماً أرساسيدياً _ ربما كان ڤونونس (حكم عام 51 م) أو ڤولوگاسيس الثالث (حكم ما بين 108/9 - 147/8م)، بناءاً على القرائن النقدية بالنسبة لرداء الرأس Amedie and Zamua 2011, 236 (ملك حدياب)؛ Brown et al. 2018, 68–69, 71–74 (حاكم أرسايد)..

    أيّاً كان هذا الحاكم، فإن وضع صورته على المدخل إلى المستوطنة لا بُدَّ انه كان إستراتيجيا، فقد وَسَمَ الموقع بأكملِه بتصوير دائم لقوته. نظراً للتشابه بين منحوتَتَي رَبَّانة وميرقولي، فلربّما كان الحاكم نفسه (أو أعضاء لاحقين من السُلالة) قد سعى لإدِّعاء حيازته لمجموعة من الحُصون وتأكيد ارتباطها من خلال هذا الزوج من المنحوتات. على أي حال، فإن التكرار المتقارب للصور ضمن مسافات متقاربة نوعاً ما يكون بالتأكيد ذو مغزى في سياق الشرق الأدنى القديم؛ سيُفهَم ذلك على أنّه مدهش ومؤثِّر، مع التكرار مُمَدِّداً حضور الحاكم عبر عٍدَّة سياقات فضائية.الكفاءة ودلالة الإعادة في النحت في الشرق الأدنى القديم، أنظر إلى Zainab Bahrani, The Infinite Image (London: Reaktion Books, 2014), 115–144.

    كَشَفت التحقيقات الأولية للمنطقة ضمن الجدار المحيط عن طَورٍ خزفيٍّ واحد فقط يمكن تحديده بالعصر الفرثي.Brown et al. 2018, 70. نظراً للصعوبات المصاحبة لتحديد تأريخ مادة السيراميك، فهناك احتمالية إن استيطان المنطقة قد امتد إلى العصر الساساني (كما هو الحال مع ميرقولي، على ما يبدو). رَبَّانة بحاجة الى الدراسة والتحليل المنهجيين قبل التوصُّل إلى استنتاجات أكثر فيما يخص الاستعمالات السابقة واللاحقة للموقع.

    رحيم، كمال رشيد. 2001. "مشروع استنساخ منحوتَتَي جبل بيرمكرون المقدس في موقعي (ميرقولي) و(ربنه)." هەزار مێرد، ژمارە 18: 153-163.

    زاموا، دلشاد عزيز، و ئاميدي، ايهان محمد. 2011. "مَنحوتَتَي ميرقولي وربەنە في جبل پیرەمەگرون: دراسة تحليلية- مقارنة." سوبارتو 4-5: 230-239.

    مهدي، أحمد. 1950. "مواقع أثرية في ناحية سورداش بلواء السليمانية". سومر 6: 231-243.

    Brown, Michael, Peter Miglus, Kamal Rasheed, and Mustafa Ahmad. 2018. “Portraits of a Parthian King: Rock Reliefs and the Mountain Fortresses of Rabana-Merquly in Iraqi Kurdistan.” Iraq 80: 63–77. 

     

    المحتوى
    ماثيو بيبلز (2019)